القائمة الرئيسية

الصفحات

مؤسسة مجلس الوزراء







المقدمة

 



عرف المغرب منذ الاستقلال إلى حدود اليوم ستة دساتير أولها كان سنة 1962 و آخرها كان سنة 2011 كرست جميعها نظاما ملكيا ، يسود فيه الملك و يحكم مترئسا للسلطة التنفيذية على اعتبار المؤسسة الملكية أهم فاعل في النظام السياسي المغربي ، فالملك ذو مكانة عالية وسامقة يستمدها من كونه أميرا للمؤمنين وفقا لمقتضيات الفصل 41 من الدستور الجديد[1] و باعتباره رئيس الدولة المغربية وفقا للفصل 42 من الدستور[2] ، و من خلال هذه المكانة التي يحتلها فهو يمارس صلاحيات واسعة في ظروف اعتيادية وأخرى استثنائية ، إلى جانب ذلك فهو يشترك بعض الصلاحيات إلى جانب رئيس الحكومة الذي يتحمل في هذا الصدد المسؤولية السياسية والجنائية على القرارات المتخذة في هذا الشأن ، ويبرز ذلك بشكل واضح من خلال صلاحيات رئاسة المجلس الوزاري الذي يعتبر هيئة رئيسية لاتخاذ مختلف القرارات داخل السلطة التنفيذية التي تهم سياسة الحكومة على المستوى الوطني و الدولي ، و يجد هذا المجلس أصوله التاريخية في مؤسسة قديمة في النظام البريطاني و هي : " المجلس الخاص " الذي نشأ إثر ثورة 1688 ، و الذي كان يتكون من أعضاء يختارهم الملك وحده دون أن يكون للبرلمان دخل في ذلك ، و كان بمثابة جهاز استشاري إلى جانب الملك[3]. 

وظل يشكل مؤسسة محورية في النظام البرلماني ، و مبررا للمسؤولية التضامنية للوزراء أمام البرلمان باعتباره هيئة للاجتماع الوزاري ، و ممرا دستوريا إلزاميا لجميع القرارات الحكومية .

وليصبح فيما بعد المجلس الوزاري أهم تنظيم دستوري للحكومات في البلدان البرلمانية و شبه البرلمانية يجمع كل الوزراء لمداولة و إعلان مجموعة من وجهات النظر حول مواضيع معينة قبل البث النهائي فيها  ، كما يعتبر فرصة لإقرار التوجهات العامة للبلاد بين الوزير الأول ورئاسة الدولة ، ووسيلة للتعبير عن الاختلافات بين مكونات الحكومة من ناحية أخرى[4].

اما بالنسبة للمغرب فإن المجلس الوزاري لم يعرف الوجود إلا بعد الاستقلال و قد ظهر نتيجة لوعي المشرع الدستوري بضرورة اتباع آليات العمل الجماعي للحكومة ، بعدما كان يتم قبل الحماية حسب النهج المتبع في النظم الرئاسية ، و التي لا تعترف بهذا الجهاز الجماعي المتمثل في مجلس الوزراء إذ تشكل رئاسة الدولة في ظل هذه الانظمة اهم مركز لاتخاذ القرار ، فالرئيس يدرس ملفات الوزراء كل في مجال اختصاصاته رأسا لرأس كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية[5].

ومن خلال استقرائنا للدساتير التي عرفها المغرب نجدها تنص صراحة على أن الملك يتولى رئاسة المجلس الوزاري ، حيث ساير في هذا المنوال نظيره الفرنسي و ذلك في مادته التاسعة من دستور الجمهورية الخامسة التي أكدت أن رئيس الجمهورية يرأس مجلس الوزراء[6] وهذه الصلاحية تعطي حسب الأنظمة توازن على مستوى القوى السياسية حقائق مختلفة فقد تكون رئاسة المجلس الوزاري ذات طابع بروتوكولي و شكلي أكثر من حقيقي .

وفي هذا الصدد نميز في لحياة الدستورية المغربية بين مجموعة من المحطات ، حيث نجد محطتين و هما ما قبل دستور 2011 و أخرى ما بعد دستور 2011 ، و تنبع اهمية دراسة موقع و مكانة مؤسسة المجلس الوزاري في الهندسة الدستورية الجديدة ، بالنظر من جهة الى السياق الذي ادى الى تعديل الدستور ، و من جهة اخرى الى الوثيقة الدستورية الجديدة و ما تحمل بين طياتها من تعديلات تخص الملكية ، لذا نتساءل ماهي مكانةمؤسسة المجلس الوزاري في الهندسة الدستورية الجديدة والمستجدات والصلاحيات التي جاء بها هذا الدستور فيما يخص هذه المؤسسة ؟ و كيف تم تنظيمها ؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات سنحاول التطرق إليها من خلال التصميم التالي:

 

ü                المطلب الأول : المجلس الوزاري قبل و بعد دستور2011.

·                   الفقرة الأولى : المجلس لوزاري قبل دستور 2011 .

·                   الفقرة الثانية : المجلس الوزاري بعد دستور 2011.

ü                المطلب الثاني : قيادة الملك للعمل الحكومي من خلال المجلس الوزاري :

·                   الفقرة الأولى : قراءة في الفصل 49 من دستور 2011 .

·                   الفقرة الثانية : احتواء المجلس الوزاري للمجلس الحكومي :

المطلب الأول : المجلس الوزاري قبل و بعد دستور2011.

    نميز في الحياة الدستورية المغربية بين مجموعة من المحطات ، حيث نجد محطتين قبل دستور 2011 و أخرى ما بعد دستور 2011 ، و هي التي جاءت بمجموعة من المستجدات في هذا الخصوص و التي سنحاول التطرق إليها من خلال المطلبين التاليين :

الفقرة الأولى : المجلس الوزاري قبل دستور 2011 .

الفقرة الثانية : المجلس الوزاري بعد دستور 2011 .

 

الفقرة الأولى : المجلس لوزاري قبل دستور 2011 .

   بالرجوع إلى الدساتير التي عرفها المغرب قبل دستور 2011 سنجد أن هناك محطتين في تاريخ المجلس الوزاري ، ففي دستوري 1962 و 1970 نجد الفصل 25 منه ينص على أن الملك يرأس المجلس الوزاري.

   و المحطة الثانية كانت مع دستور 1972 و في المراجعتين الدستوريتين ل 1992 و 1996 حيث تم التنصيص بالإضافة إلى رئاسة المجلس الوزاري من لذن لملك إلى تحديد المسائل التي تحال على المجلس الوزاري قبل البث فيها[7].

   فقد كان الفصل 25 من الدستور المراجع لسنة 1996 ينص على أن الملك يترأس مجلس الوزراء ، و يختص المجلس الوزاري برئاسة الملك بالبث في المسائل ذات الأهمية الكبرى في شؤون الدولة و التي بينها الفصل 66 من دستور 1996 و يتعلق الامر :

- القضايا التي تهم السياسة العامة للدولة .

- الاعلان عن حالة الحصار .

- اشهار الحرب .

- طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها .

- مشاريع القوانين قبل ايداعها بمكتب اي مجلس من مجلسي البرلمان.

 - المراسيم التنظيمية .

المراسيم المشار اليها في الفصول 40-41-54-55 من هذا الدستور .

-       مشروع المخطط .

-       مشروع مراجعة الدستور .

اذا كان دستور 1996 قد اوكل بالبث في تلك الاختصاصات الى المجلس الوزاري ، بان تنظيمها و التهيء من اجل البث فيها هي مسئولية الوزير الأول لذي يملك السلطة التنظيمية و ذلك بتنسيق عمل الوزراء باعتباره المنسق للأنشطة الوزارية " الفصل 65 من دستور 1996 " مطبقا في ذلك التعليمات الملكية بالإضافة الى ان الوزير الاول يمكنه ان يبدي وجهة نظره في هذه المسائل بمناسبة انعقاد المجلس الوزاري و التي لا تقيد الملك الذي يعود له وحده اتخاذ القرارات النهائية التي تعرض على المجلس الوزاري[8].

كما ان عدم مشاركة الوزير الاول في المجلس الوزاري لسبب من الاسباب لا يعيب اجتماع المجلس الذي لا يمكن في المقابل ان يجتمع الا تحت رئاسة الملك او من يراه اهلا لذلك و ذلك بتفويض منه و بجدول اعمال محددة من طرفه.

   بالرغم من ان الدستور لم يحدد الجهة التي تنوب عن الملك في رئاسة المجلس الوزاري الا انه بالمقابل ليس من الناحية الدستورية ما يمنع الملك بتفويض رئاسة المجلس الوزاري لمن يراه اهلا لذلك[9].

  وقد شهدت الممارسة حالات استثنائية جدا فيما يخص التفويض في زمن ما قبل الدسترة و برئاسة و لي العهد لبعض المجالس [10].

   و من هنا يمكن اعتبار المجلس الوزاري المؤسسة الوحيدة التي نص عليها الدستور قبل 2011  و التي تهتم بمناقشة العمل الحكومي .

  ورئاسة الملك لهذا المجلس تخوله حق الانفراد و الاستئثار لكل ما يتعلق بتوجيه سياسات الدولة كأصل عام و المقرر الوحيد بخصوص المواضيع الاساسية في اطار المجلس الوزاري ، وهذا ما يؤكد تبعية الحكومة المطلقة للملكية[11] في لدساتير السابقة عن دستور2011.

   و من هنا يبقى دور الحكومة في المغرب مقتصر على مناقشة و مداولة و اعطاء الرأي.

 

الفقرة الثانية : المجلس الوزاري بعد دستور 2011.

 

   إن مقتضيات الفصل 48 من الدستور تؤكد بأن  دفة البلاد و سياستها تدار و تتداول داخل المجلس الوزاري ، فلقد حافظ الدستور الجديد على عدم تحديد انعقاد المجلس بصفة دورية و بمبادرة من الملك رغم أن الدستور أضاف أو بطلب من رئيس الحكومة . و جاءت أولى القضايا المهمة التي يتداول فيها المجلس الوزاري و هي " التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة " إذن حينما نتكلم عن إستراتيجية الدولة فإن الأمر يتعلق بإجراء الدراسات و التشخيصات الإستراتيجية و رسم التوجه العام و يبقى على الحكومة أن تنفذ هذه السياسة[12] .

زد على ذلك أن تمويل العمل الحكومي هو رهين أيضا بالتوجه الذي يرسمه المجلس الوزاري حيث أن هذا الأخير هو الذي يبث في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية العامة .

ولا يمكننا أن ننسى قائمة التعيينات التي يمارسها الملك و كذا ترأسه لمجموعة من المجالس الهامة  فالملك إذن يترأس .

ـ المجلس الوزاري ( الفصل 48) .

ـ المجلس الأعلى للأمن ( الفصل 54 ).

ـ المجلس الأعلى للسلطة القضائية ( الفصل 115/65) .

ـ المجلس العلمي ( الفصل 41) .

نلاحظ إذن  تبعية الحكومة للمؤسسة الملكية لم تتبدل رغم الدستور الجديد كما أن الحضور القوي للملك يظهر من خلال ما وضعنا سابقا زد على ذلك مجموعة من الصلاحيات التقليدية سيتم التطرق إليها في وقتها .

   إن تحصين مركز المؤسسة الملكية و دعم هيمنتها ينبع كذلك من المقتضيات الخاصة بتعديل الدستور حيث أن مسطرة التعديل تمكنه من حضور قوي و تؤمنه من الرجوع إلى الاستفتاء الشعبي كما جاء في مقتضيات الفصل 174 .

   أما فيما يخص العلاقات بين السلط ، فقد توحي قراءة متسرعة للدستور الجديد بأن هناك تقسيما واضحا للسلطة على المستوى التنفيذي بين الملك و المجلس الوزاري من جهة ، و رئيس الحكومة و المجلس الحكومي من جهة أخرى ، فلتمكين الحكومة التي تعين من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب  من أساس دستوري لممارسة مسؤوليتها تمت دسترة مجلس الحكومي و تحديد اختصاصاته في تكامل و تمايز مع مجلس الوزراء[13] .

   لكن عندما نتمعن في المعيار الدستوري ككل نلاحظ أن المجلس الوزاري يحتل مكانة أهم من مجلس الحكومة ، فهو احتفظ بصلاحيات استراتيجية و تحكمية و توجيهية ، "خطاب 17 يونيو 2011 " فهو يتداول في التوجيهات الاستراتيجية للدولة و يتداول في مشاريع مراجعة الدستور ، أي في السلطة التأسيسية الفرعية  و القوانين التنظيمية ، أي تلك القوانين التي تحدد المبادئ العامة للدستور ، و كذلك مصير المؤسسات الاساسية في الدولة و التي هي بمثابة دستور داخل دستور ، ناهيك على أن المجلس الوزاري يقرر السياسة الاقتصادية و المالية و الثقافية و الاجتماعية للدولة من خلال تحديد التوجهات العامة لمشروع قانون المالية  (الفصل 49) و مشاريع القوانين الاطار التي يعرفها الفصل (71) ، دون أن نغفل أن المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك ينظر في قضايا أخرى من مثل مشاريع قوانين العفو العام و النصوص المتعلقة بالمجال العسكري و اعلان حالة الحصار و إشهار الحرب و يحال إليه مشروع مرسوم رئيس الحكومة القاضي بحل مجلس النواب ، و ينظر كذلك في التعيينات باقتراح رئيس الحكومة ، و يحال إليه القانون التنظيمي المحدد للائحة المؤسسات الاستراتيجية للدولة[14].

ولا ننسى في هذا الاطار أن الدستور الجديد لم ينص على ضرورة انعقاد المجلس الوزاري بصفة دورية ، فهو ما زال ينعقد بمبادرة من الملك و ليس بمبادرة من رئيس الحكومة رغم أن الدستور اضاف " أو بطلب من رئيس الحكومة " الشيء الذي يعني أن الطلب الموجه للملك يمكن أن يرفض ، كما يمكن لهذا الأخير أن يتجاهله أو أن يجيب عليه بعد شهر أو سنة . الأمر الذي يعطي للملك إمكانية ضبط إيقاع العمل الحكومي و التحكم فيه ، و يمكن أن يفوض لرئيس الحكومة بناء على جدول أعمال محدد رئاسة المجلس الوزاري .

   وعليه فالمجلس الوزاري الذي يترأسه الملك يختص بالقضايا الأساسية في الدولة . و تجدر الإشارة هنا أن النص الجديد تخلى عن بعض الصلاحيات و الاوصاف الملكية ، و لكنه في نفس الوقت نص على اختصاصات جديدة . و هكذا فإن المكتسبات التي أعطيت باليد اليمنى قد أخذت باليد اليسرى .

   و قد تخلى الدستور الجديد عن صلاحيات الملكية المتمثلة في " التمثيل السامي للأمة " حيث أصبح الملك رئيسا للدولة و ممثلها الأسمى ، لكن هذه الصلاحيات تم تعويضها بصلاحيات جديدة ، كما أن شخص الملك لم يبق مقدسا كما كان ينص على ذلك الفصل 23 من دستور 1996[15] لكنه تم تعويض ذلك بمقتضى جديد ينص على أن " الملك واجب التوقير و الاحترام " الفصل (46) كرئيس للدولة و كأمير للمؤمنين[16] .

المطلب الثاني : قيادة الملك للعمل الحكومي من خلال المجلس الوزاري :

التتمة


تعليقات