مبدأ التدبير الحر.
المقدمة:
لقد شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة،إصلاحات هامة في
إطار ترسيخ اللامركزية وللاتمركز وتدعيم أسس الديمقراطية وبناء صرح التنمية
الاقتصادية والاجتماعية وتكريس العدالة المجالية من خلال توزيع الاختصاصات وتكريس
المشاركة المحلية في صناعة القرار.
إن صيرورة
اللامركزية ببلادنا عرفت تطورا تدريجيا محافظا على الخصوصية التي يتمتع بها
المغرب، بداية بالميثاق الجماعي لسنة 1960،الميثاق الجماعي لسنة 1976 مرورا
بالدستورين لسنة 1992-1996 فقانون 47-96 الخاص بالجهات ووصولا للميثاق الجماعي
لسنة 2002 والمعدل سنة 2009 وأخيرا دستور 2011 والقوانين التنظيمية 111-14 –
112-14- 113-14.
اليوم بعد
إقرار دستور 2011 وإصدار القوانين التنظيمية المرتبطة بالجماعات الترابية، تكون
القوانين المعتمدة منذ الاستقلال الى الآن قد أكدت بالملموس أن النموذج على مستوى
المجالات الترابية تعتريه نواقص عديدة ولإصلاح بعض الأعطاب والرفع من عجلة
اللامركزية الى حدود تسمح لها لتكون في مستوى تحديات القرن 21.
ومن بين أهم
التعديلات التي جاء بها دستور 2011 هو الإقرار بمبدأ التدبير الحر الذي يدخل ضمن
المبادئ المهمة المكونة و المؤطرة للورش والرهان المنصوص عليه بموجب الفقرة
الرابعة من الفصل الأول من الدستور والتي جاء فيها:" التنظيم الترابي للمملكة
تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.
هذه الأخيرة
تقتضي تمتع الهيئات الترابية باستقلال إداري كمرحلة أولية قبلية سابقة وممهدة
للجهوية الموسعة التي تتطلب الى جانب الاستقلال المالي والإداري استقلالا سياسيا
للجماعات الترابية إن هذه التنمية المنشودة لا يمكن تحقيقها من المركز بل يجب
إشراك الجماعات الترابية كفاعل أساسي ومركزي لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية
ومجالية حقيقية[1]، أي من
خلال النهوض باللامركزية وتكريس الحكامة الترابية وإرساء قواعد ومبادئ حسن
التدبير.
لذلك فإرساء
مبدأ التدبير الحر يعتبر احد أهم مظاهر اللامركزية في بعدها الحكامتي، حيث يخول
بمقتضى هذا المبدأ لكل جماعة في حدود اختصاصاتها سلطة التداول بكيفية ديمقراطية
وسلطة تنفيذ مقرراتها ومداولاتها طبقا لأحكام القانون التنظيمي والنصوص التنظيمية
والتشريعية المتخذة لتطبيقه.
ونظرا
لمميزات وإيجابيات هذا المبدأ فقد تم التنصيص عليه أول مرة بشكل صريح من المبادرة
المغربية للحكم الذاتي لجهة الصحراء[2].
إن إضفاء خاصية الدستورية لهذا المبدأ يعتبر قفزة نوعية في طريق إرساء
قواعد الديمقراطية، لأن إعطاء صلاحية التدبير الحر للجماعات الترابية، يشكل ضمانة
أساسية لها لاتخاذ التدابير اللازمة التي يتطلبها الحفاظ على النظام العام داخل
النفوذ الترابي لها الشيء الذي سيمكنها بما تتمتع به من اختصاصات ذاتية ومشتركة مع
الدولة ومنقولة من هذه الأخيرة لها من تنظيم مجالها الترابي مما يتوافق وجوهر
سلطتها التنظيمية.
وبما أن الحد
من الوصاية المفروضة على رؤساء الوحدات الترابية واستبدالها بنوع من المساعدة
والمواكبة يشكل ضمانة لهؤلاء ومكسب لاستقلاليتهم لكن يبقى الإشكال المطروح الى أي
حد استطاع المشرع عبر سنه لمبدأ التدبير الحر تحقيق استقلالية المجالس وتعزيز أسس
الديمقراطية والحكامة الجيدة. أمام غياب ضمانات حقيقية كفيلة بتحصينه من أي خرق قد
يمسه من قبل ممثلي السلطة المركزية بالجماعات الترابية.
وللإجابة على
هذا الإشكال ارتأينا تقسيم هذا العرض المتواضع الى مبحثين أساسيين.
المبحث
الأول: المقاربة النظرية والمرجعية لمبدأ التدبير الحر.
المبحث الثاني:
مبدأ التدبير الحر بين اكراهات الرقابة الإدارية ومحدودية الموارد البشرية.
المبحث الأول: مقاربة مرجعية ونظرية لمبدأ التدبير الحر.
إن مبدأ التدبير الحر يشكل أحد القواسم
المشتركة للتنظيم القانوني الجديد للجماعات الترابية والمتعلقة أساسا بالجهات
والجماعات الترابية الأخرى، وكمبدأ دستوري يحوز على أولوية مرجعية وتنظيمية
بالنسبة للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية. لا من حيث الجوانب
المرجعية للمبدأ أو جوانبه الإجرائية ذلك أن مبدأ التدبير الحر وما يؤسس له من
حمولة في أبعاده المؤسساتية والتنظيمية والتدبيرية للجماعات الترابية سيدشن لمسار
التأسيس لقاعدة مبدأي الحرية والاستقلالية في تدبير الشؤون المحلية. لذلك سنحاول
من خلال هذا المبحث فهم مغزى هذا المبدأ والخوض في مضامينه من خلال تقسيمه الى
مطلبين اثنين سنتطرق في الأول الى ما جاء به الدستور المغربي ونظيره الفرنسي
لإقرار هذا المبدأ.لنعود في مطلب ثان للتطرق الى أهم الأسس والمرتكزات القانونية
والواقعية لهذا المبدأ.
المطلب الأول:
مبدأ التدبير الحر بين التجربة الفرنسية والمغربية.
لقد حمل
الدستور المغربي ونظيره الفرنسي تصورا جديدا للتنظيم الترابي ولمكانة الجماعات
الترابية داخل المنظومة الدستورية.إذ حاولا إرساء قواعد ومبادئ حسن التدبير عن
طريق إعطائهم مبدأ التدبير الحر وإضفاء الصبغة الدستورية عليه وسن قوانين تنظيمية
للجهات وللجماعات الترابية الأخرى لذلك سنحاول فهم هذا المبدأ الجديد من خلال
قراءة مقتضيات الدستور الفرنسي والمغربي والقانون التنظيمي للجهات(111-14).
الفقرة
الأولى: التدبير الحر في التجربة الفرنسية.
لقد كانت
فرنسا سباقة الى إعطاء مبدأ التدبير الحر بعدا دستوريا من خلال المادة [3]34
من دستور [4]1958،
والذي ستؤكده المراجعة الدستورية المؤرخة في 23 مارس 2003 من خلال المادة 72 ذلك
أن مبدأ التدبير الحر يقابله في الأدبيات الفرنسية مصطلح "حرية الإدارة".
la libre administration.
ومن خلاله
يقر المشرع الفرنسي بأن الجماعات الترابية تدبر بشكل حر من طرف مجالسها المنتخبة،
بل إن مجلس الدولة الفرنسي اعتبر في إحدى قراراته الشهيرة " أن مبدأ التدبير
الحر يشكل أحد الحريات العامة التي لا يجب المساس بها. مقرا بأن حرية التدبير هذه
يلزم أن يمارس في ظل احترام ما هو وارد في القانون، قرار يتعلق بجماعة [5]venlles بتاريخ 18
يناير 2001.
الفقرة الثانية: التدبير الحر في التجربة
المغربية.
قراءة في
الفصل 136 من الدستور.
ينص الفصل 136
من الدستور:" يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر وعلى
التعاون والتضامن ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من
مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة".
من خلال
قراءة هذا الفصل يتضح أن المشرع الدستوري عند تنصيصه على المبادئ المؤطرة للتنظيم
الجهوي الترابي للمملكة ابتدأ بمبدأ التدبير الحر كإشارة منه لأهميته البالغة.إذ
يعتبر هذا المبدأ من أهم مظاهر اللامركزية.
كما يمكن
القول أن دستور 2011 شكل نقلة نوعية في مجال التدبير الترابي من خلال ما تضمنه من مقتضيات
تسمح بتعزيز دور الجماعات الترابية في النهوض بالتنمية الشاملة وتكريس مبادئ
الحكامة الجيدة.
لقد حاول
المشرع وكما نستشف من قراءة الفصل 136 تمكين الجماعات الترابية من الحصانة
والاستقلالية لتقوم بأدوارها في تحقيق التنمية المحلية المستدامة لإرساء وتعزيز
اللامركزية وللاتمركز اللذان يمثلان ورشا
حيويا لتعزيز الديمقراطية وتطوير وتحديث هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المستدامة
والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا[6]
وتعزيز سياسة القرب وهو ما يعكس الوعي التام بالرهان الذي يشكله هذا الورش مع ما
يتطلبه ذلك من عمل من أجل تفعيله.
لقد أعطى هذا
المبدأ للجماعات الترابية ممارسة اختصاصاتها بما هو موكول لها في النصوص القانونية
والدولة لها حق المراقبة البعدية، أي ترك نوع من الحرية للمدبر المحلي في ممارسة
اختصاصات في مقابل مسائلته عن النتائج التي أنجزها وله حرية التصرف في الموارد
المتاحة له في إطار احترام القانون.
فمبادئ
التدبير الحر تستمد أسسها من مفهوم الشخصية المعنوية التي تتمتع بها الجماعات
الترابية وبمقتضاها تتمتع هذه الأخيرة بالاستقلال الإداري والمالي.
قراءة في المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 14.111.
"يرتكز
تدبير الجهة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جهة في حدود
اختصاصاتها المنصوص عليها في القسم الثاني من هذا القانون التنظيمي، سلطة التداول
بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذية مقرراتها طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي".
لقد جاءت القوانين التنظيمية ومن بينها القانون
14.111 للتنصيص على مبدأ التدبير الحر، لكنها لم تحدد تعريف دقيقا له بل نصت على
النتائج والغايات من تفعيل هذا المبدأ.
لقد عمل هذا
النص على منح صلاحيات تنفيذ مداولات ومقررات المجالس الترابية لرؤسائها. وتمثل هذه
السلطة أهم الركائز التي ينبني عليها التدبير الحر للشؤون الجهوية، على عكس ما
تميزت به التجربة الجهوية في ظل القانون47/96 من ازدواج وظيفي لعامل العمالة
والإقليم مركز الجهة باعتباره من جهة ممثلا للدولة ومن جهة ثانية آمرا بالصرف
ومنفذا لمقررات المجالس الجهوية[7].
ويفيد تنفيذ
مقررات ومداولات المجالس الجهوية من قبل رؤساء المجالس الجهوية منح الأجهزة
التداولية للمجلس الصلاحيات التقريرية في بلورة الاختيارات التنموية التي يتطلبها
الارتقاء بالوضع التنموي للجهة والعمل على تنفيذها بما يتوفر عليه المجلس الجهوي
من ضمانات قانونية وتنظيمية وموارد بشرية ومالية. وذلك من خلال إعداد وتتبع برامج
التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب الوطني بما يتوافق مع المعالم
والتوجهات المحددة في المستوى الوطني.
ويتيح تمتيع
رؤساء الوحدات الترابية بهذه الضمانة،
اعتراف المشرع الصريح باستقلالية المجالس المنتخبة في القيام بالوظائف والمهام
المنوطة بها دون أي تدخل من قبل ممثل السلطة المركزية إلا في الحدود التي يسمح بها
القانون.ذلك أن تعزيز استقلالية الجهات تمثل وكما سبق الذكر التنزيل الأصح لمبدأ
التدبير الحر في الإطلاع السليم بالشؤون الجهوية والمحلية كما يكرس القواعد التي
تؤسسها اللامركزية الإدارية. ومن شأن تحصين هذه الاستقلالية من قبل المشرع والقضاء
والفقه، أن يضمن الانخراط في مرحلة تسمح للجماعات الترابية وعلى رأسها الجهة أن
تتبوأ مكانتها الحقيقية في تدبير فعال للمجال الترابي بما ينسجم والمقومات الإجرائية
للحكامة الترابية.
ما تطرقت له
سلفا، يضع الجهة في مكانة مرموقة وان المغرب ماض في مسار جهوية القرار الإداري
والسياسي والاقتصادي.
المطلب الثاني:الأسس والمرتكزات القانونية والواقعية
لمبدأ التدبير الحر.
من بين
المستجدات التي جاءت بها القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والعمالات والأقاليم
والجماعات،تكريس مبدأ التدبير الحر في تسيير مجالس الجهات والعمالات والأقاليم
وتأكيده وتطويره بالنسبة للمجالس الجماعات، الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة ترابية،في
حدود اختصاصاتها،سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها،
طبقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وعملت القوانين
التنظيمية المذكورة كذلك، على إسناد قرارات المجلس الى رئيس المجلس، وقيام هذا
الأخير بممارسة السلطة التنظيمية بموجب قرارات بعد مداولات المجلس. وتم توضيح
القرارات التي يضطلع بها رئيس الجماعة الترابية المعنية والمتعلقة بتنظيم إدارتها
وتحديد اختصاصاتها[8].
فالتدبير
الحر هو الترجمة الإدارية لنظرية الديمقراطية المحلية. فهو يتيح يتح للجماعات
الترابية كوحدات متمتعة بالشخصية المعنوية نوعا من الاستقلال في التدبير بعيدا عن
تحكم ووصاية الدولة.ويبقى فقط على الجهات والجماعات الترابية التقيد بالقانون، ومن
ثم يتعين إعادة النظر في طبيعة العلاقة التي تربطها بالدولة[9].
لذلك سنتحدث
عن الاستقلال الإداري(الفقرة الأولى)، وعن الاستقلال المالي(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاستقلال الإداري.
جاء في المادة
3 من القانون التنظيمي 14.111 المتعلق بتنظيم الجهات ما يلي:" الجهة جماعة
ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري
والمالي، وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، باعتباره تنظيما لامركزيا
يقوم على الجهوية المتقدمة".
أما على
مستوى القانون التنظيمي 14.112 المتعلق بالعمالات والأقاليم فقد نصت المادة 2 على
أن "العمالة أو الإقليم جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية
الاعتبارية و الاستقلال الإداري والمالي، وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي
للمملكة".
أما القانون
التنظيمي 14.113 المتعلق بالجماعات فقد جاء في المادة 2 ما يلي:" تشكل
الجماعة أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون
العام،تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي".
أولا:استقلالية
الأجهزة الإدارية للتدبير بالجماعات الترابية.
1-على مستوى
الجهات.
سنتطرق للحديث
عن تنظيم مجلس الجهة من خلال مقتضيات القانون التنظيمي 14.111 المتعلق بالتنظيم
الجهوي وكذلك عن تسيير مجلس الجهة.
أ-من حيث
التنظيم.
-تكريس
الشرعية الديمقراطية للمجلس الجهوي:
أصبح أعضاء
مجلس الجهة ينتخبون بالاقتراع العام المباشر وهو ما يعتبر تكريسا للشرعية
الديمقراطية، ذلك بعدما كان يتم عن طريق الاقتراع العام غير المباشر الشيء الذي
كان يجعل المجلس الجهوي محروما من المصداقية الديمقراطية ومعزولا عن الانتظارات
الشعبية.
وبتبني
القانون التنظيمي 14.111 لمبدأ الاقتراع المباشر أعاد النظر في تركيبة المجالس
الجهوية التي كان ينظر إليها على أنها كتل غير متجانسة وغير متضامنة نظرا
لتركيبتها المتنوعة التي تتكون من أعضاء تختلف مصادر انتخابهم[10].
-تمديد
مدة انتخاب المكتب:
إذا كان قانون
47/96 نص في مادته 10 على أن ينتخب أعضاء المكتب لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد
فان القانون التنظيمي رقم 14.111 نص في المادة 20 على أنه يتم انتخاب الرئيس
ونوابه لمدة انتداب المجلس[11].
-التنصيص على
الإعلان عن انتخاب المرشح الأصغر سنا:
نصت المادة 17 من القانون التنظيمي على أنه:
إذا تعادلت الأصوات[12]،
يعلن المترشح الأصغر سنا فائزا، وفي حالة تعادل السن يعلن عن المرشح الفائز بواسطة
القرعة.وذلك بعد أن كان القانون السابق يرجح كفة المترشح الأكبر سنا في حالة تعادل
الأصوات وهو ما يعتبر خطوة إيجابية لأن ترجيح القانون لمعيار كبر السن فيه تشجيع
لانتداب الأميين في مناصب المسؤولية وترجيح أسبقيتهم في الفوز بالمأموريات والمهام
الانتدابية[13].
-اعتماد
آلية الانتخاب في اختيار رؤساء اللجان الدائمة:
اعتمد
القانون التنظيمي رقم 14.111 آلية الانتخاب في اختيار رؤساء اللجان الدائمة حيث
نصت المادة 29 منه على أن:" ينتخب المجلس من بين أعضاء كل لجنة، خارج أعضاء
المكتب، بالأغلبية النسبية للأعضاء الحاضرين رئيسا لكل لجنة ونائبا له، وتتم
إقالتهما بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها".
ب- من حيث التسيير.
-إعادة النظر
في طريقة التصويت:
اعتمد
القانون التنظيمي رقم 14.111 في المادة 8 منه التصويت العلني قاعدة لاتخاذ جميع
مقررات المجلس، وكذا لانتخاب رئيس المجلس ونوابه والأجهزة المساعدة للمجلس بعدما
كان القانون القديم ينص على الاقتراع السري.وهو ما يعتبر خطوة إيجابية لأن التصويت
العلني له عدة إيجابيات، فهو تعبير عن الشجاعة وعدم تذبذب المواقف حيث في الاقتراع
السري يمكن للشخص أن يغير موقفه خلف العازل الانتخابي، كما أن الاقتراع السري
يستهلك الكثير من الوقت ويتطلب إعدادات وسائل لوجيستيكية[14].
2-على مستوى الجماعات.
أ-المجلس
الجماعي.
إن المجلس
الجماعي هو الجهاز المكلف بمجال تسيير الشؤون المحلية على مستوى الجماعات. وقد خصه
المشرع باهتمام بالغ انطلاقا مما خوله من اختصاصات واسعة في مجال تسيير شؤون
الجماعة، هذه الاختصاصات التي عرفت تطورا كبيرا في اتجاه تدعيم وتقوية مفهوم
اللامركزية الترابية، وذلك من خلال الظهائر المتعلقة بالتنظيم الجماعي والتي توجت
بالقانون التنظيمي 14.113[15].
ب- تسيير
المجلس الجماعي.
يدبر
شؤون الجماعة مجلس ينتخب أعضاؤه بطريقة ديمقراطية بالاقتراع العام المباشر، ويتولى
تنفيذ مقرراته رئيس يتم انتخابه من قبل أعضاء هذا المجلس.
-أجهزة المجلس
الجماعي.
تتكون
أجهزة المجلس من مكتب ولجان دائمة وكاتب للمجلس ونائبه، ويعتبر التصويت العلني
قاعدة لانتخاب رئيس المجلس ونوابه وأجهزة المجلس،وكذا لاتخاذ جميع مقررات المجلس.
المكتب:
يتكون مكتب
المجلس الجماعي من رئيس ونواب للرئيس:
الرئيس.
يجتمع
المجلس لانتخاب الرئيس ونوابه طبق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في هذا القانون
التنظيمي، هكذا لا يمكن أن يتداول بكيفية صحيحة الا بحضور الأغلبية المطلقة
للأعضاء المزاولين مهامهم[16]،ويجرى
انتخاب رئيس المجلس في جلسة مخصصة لهذه الغاية خلال الخمسة عشر يوما الموالية
لانتخاب أعضاء المجلس وذلك على إثر دعوة من عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب
عنه، ويحدد في هذه الدعوة تاريخ ومكان انعقاد الجلسة (التي يحضرها العامل أو
نائبه) وأسماء المترشحين لرئاسة المجلس، وذلك تحت رئاسة العضو الأكبر سنا من بين
أعضائه الحاضرين غير المترشحين، ويتولى العضو الأصغر سنا من بين أعضاء المجلس
الحاضرين غير المترشحين مهمة كتابة الجلسة وتحرير المحضر المتعلق بانتخاب الرئيس[17].
الأجهزة
المساعدة.
وتتمثل هذه
الأجهزة داخل المجلس الجماعي في الكاتب واللجان.
الكاتب:
ينتخب مجلس
الجماعة من بين أعضائه،خارج أعضاء الكتب،كاتبا يعهد إليه بتحرير محاضر الجلسات
وحفظها، ويجرى التصويت على المترشحين لشغل منصب كاتب المجلس، بالأغلبية النسبية
للأعضاء الحاضرين خلال الجلسة المخصصة لانتخاب نواب الرئيس.
اللجان:
يقوم المجلس
الجماعي،خلال أول دورة يعقدها بعد مصادقته على نظامه الداخلي، بتشكيل لجان دائمة
تعد إليها بدراسة القضايا التي يجب أن تعرض على المجلس للتداول بشأنها، كما يمكنه
عند الإقتضاء إحداث لجان مؤقتة لمدة محددة وغرض معين، غير أنه يتعين تشكيل لجنتين
دائمتين على الأقل يعهد إليهما بدراسة القضايا المتعلقة بما يلي:
-الميزانية
والشؤون المالية والبرمجة.
- المرافق
العمومية والخدمات.
ثانيا:البعد الوظيفي للاستقلال الإداري للجماعات
الترابية.
أ-توضيح وتدقيق
اختصاصات الجماعات الترابية.
جاءت
القوانين التنظيمية للجماعات الترابية المتمثلة في القانون 14.111 المتعلق
بالجهات، والقانون 14.112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، وقانون 14.113 المتعلق
بالجماعات باختصاصات جديدة وهي إما اختصاصات ذاتية، أو اختصاصات مشتركة مع الدولة،
أو اختصاصات منقولة إليها من الدولة.
إن التطور
القانوني لاختصاصات ومهام الجماعات الترابية ينعكس بشكل تلقائي ومباشر على مجالات
تدخلها وعلى الكلفة المالية والاقتصادية لبرمجة وتنفيذ الميزانية الترابية
والمشاريع التنموية، كما أنه ينعكس على قدرة الجماعات الترابية على ممارسة مهامها
التنموية بالشكل المطلوب، وهذا التطور القانوني للاختصاصات الترابية يجب أن يشمل
حجمها، كيفية توزيعها بينها وبين الدولة، ثم دقتها ووضوحها لتفادي التداخل
والتضارب مع باقي المتدخلين داخل نفس المجال الترابي.
وإذا كان
توسيع وتقوية اختصاصات الجماعات الترابية مهما، فإن توضيح هذه الاختصاصات وتدقيقها
أكثر أهمية، وفي هذا الإطار يمكن اعتماد الأسلوب الانجليزي الذي يقضي بتحديد لائحة
الاختصاصات المسندة بكل وحدة، بشكل مفصل وحسب الميادين المختلفة التي يمكن أن
تتدخل فيها الهيئة المعنية بالوسائل المتاحة لها، على أساس تطوير دورها بإضافة
اختصاصات لها كلما نضجت وأضحت مقتدرة على النهوض بها، وثم تعرف كل وحدة ما لها وما
عليها وما يجب تمويله وما يتطلب التعاون بشأنه لانجازه، وتصبح الصيغة العامة
للاختصاصات كإطار عام فقط ومحدد المضمون بواسطة اللائحة المذكورة. ولعل هذا هو
الاتجاه الذي نحاه المشرع الفرنسي بإصدار نصوص كثيرة وضحت ودققت مستوى كل اختصاص
في مختلف المجالات.
ب-قراءة في
اختصاصات الجماعات الترابية على ضوء القوانين التنظيمية الجديدة.
1-على مستوى
الجهات.
-الاختصاصات الذاتية[18]:
وهي
الاختصاصات الموكولة للجهة في مجال معين (إعداد التراب، التنمية الجهوية،التنمية
الاقتصادية والنقل والثقافة والبيئة).
-الاختصاصات
المشتركة.
يمكن للجهة
ممارسة اختصاصات مشتركة مع الدولة وهي اختصاصات لم يكن منصوص عليها في القانون
السابق، وتهم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقروية والبيئية، وتتم ممارسة
الاختصاصات المشتركة بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة (المادة
92).
-الاختصاصات المنقولة.
وهي
الاختصاصات التي تقرر الدولة نقل ممارستها الى الجهة بما يسمح بالتوسع التدريجي
للاختصاصات الذاتية. وتشمل التجهيزات والبنيات التحتية والصناعة والتجارة والتعليم
والصحة والثقافة والرياضة والطاقة والبيئة[19].
2-على مستوى العمالات والأقاليم.
-الاختصاصات الذاتية.
تشتمل
الاختصاصات الذاتية على الاختصاصات الموكولة للعمالة أو الإقليم في مجال معين بما
يمكنها من القيام في حدود مواردها، بالأعمال الخاصة بهذا المجال، ولا سيما التخطيط
والبرمجة والانجاز والتدبير والصيانة داخل دائرتها الترابية[20].
-الاختصاصات المشتركة
تشمل
الاختصاصات المشتركة بين الدولة والعمالة أو الإقليم الاختصاصات التي يتبين أن
نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك.ويمكن أن تتم ممارسة هذه الاختصاصات المشتركة طبقا
لمبدأي التدرج والتمايز.
-الاختصاصات المنقولة:
تشمل
الاختصاصات المنقولة الاختصاصات التي تنقل من الدولة الى العمالة أو الإقليم بما
يسمح بتوسيع الاختصاصات الذاتية بشكل تدرجي.وتمارس العمالة أو الإقليم هذه
الاختصاصات المنقولة إليها من الدولة في مجال التنمية الاجتماعية وإحداث وصيانة
المنشأة المائية المغيرة والمتوسطة خاصة بالوسط القروي.
3-على مستوى
الجماعات.
-الاختصاصات
الذاتية:
تشتمل
الاختصاصات الذاتية على الاختصاصات الموكولة للجماعة في مجال معين بما يمكنها من
القيام، في حدود مواردها.وداخل دائرتها الترابية بالأعمال الخاصة بهذا المجال، ولا
سيما التخطيط، والبرمجة، والانجاز،
التدبير،الصيانة[21].
-الاختصاصات
المشتركة.
تشمل
الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة الاختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها
تكون بشكل مشترك،ويمكن أن تتم ممارسة الاختصاصات المشترك طبقا لمبدأي التدرج والتمايز،
هكذا تمارس الجماعة اختصاصات مشتركة مع الدولة في المجالات التالية:
-تنمية
الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل.
-المحافظة
على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته.
-الاختصاصات المنقولة:
تشمل
الاختصاصات المنقولة الاختصاصات التي تنقل من الدولة الى الجماعة بما يسمح بتوسيع
الاختصاصات الذاتية بشكل تدريجي، وتهم بصفة خاصة:
-إحداث وصيانة
المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة.
-حماية وترميم
المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية.
الفقرة الثانية:الاستقلال المالي.
يقصد
بالاستقلال المالي للجماعات الترابية قدرتها في القيام بتسيير مالي ومحاسباتي
لمداخيلها ونفقاتها بالاستقلال اللازم عن السلطة المكلفة بمراقبتها.
ويميز فقهاء
علم الإدارة بين وجهين لهذا الاستقلال أولهما شكلي يتكرس بوجود ذمة مالية وميزانية
ونظام محاسبي خاص بالجماعة ومستقل عن ذمة وميزانية ومحاسبة الدولة، أما الوجه
الثاني لهذا الاستقلال فيتبت بتوفر الجماعة على سلطة تقريرية في تحديد مواردها
المالية بنفسها وتحديد نفقاتها والتحكم في استعمال هذه الموارد والتحملات.
إن التنظيم
المالي للجماعات المحلية تعبير عن إرادة متنامية من جانب المشرع في دعم أسس
الاستقلال المالي للجماعات المحلية بشكل تدريجي يتلاءم مع درجة نضج الموارد
البشرية لهذه الوحدات.ولقد تضمن القانون 45.08 تدابير وسعت من هامش حرية الجماعات
في اتخاذ قراراتها المالية وخففت من درجة الوصاية المفروضة عليها[22].
أولا: إلغاء
الوصاية المالية المزدوجة.
لقد تضمن
القانون 45.08 مقتضيين أساسيين خفف بموجبهما من إجراءات الرقابة على المالية
المحلية ويتعلق الأمر بإلغاء العمل بنظام وضع التأشيرة على الميزانيات وعلى
القرارات المعدلة لها من طرف ممثلين وزارة المالية وإلغاء نظام مراقبة الالتزام
بالنفقات.
-أ:إلغاء
التأشيرة المسبقة لوزارة المالية على المقررات المالية المحلية.
لقد تم
بموجب أحكام قانون التنظيم المالي المحلي إلغاء العمل بنظام التأشيرة المسبقة
لوزارة المالية على ميزانيات الجماعات المحلية وعلى المقررات المعدلة لها وتم حصر
المراقبة القبلية التي تقوم بها هذه الوزارة على الوثائق المالية المحلية فقط بالنسبة لعمليات إحداث الحسابات المرصودة لأمور
خصوصية التي لازال إحداثها يتم طبقا لأحكام المادة 12 من القانون رقم 45.08
"بقرار مشترك لوزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية بناء على برنامج
استعمال يعده الآمر بالصرف تنفيذ المقالات المجلس".
كما تم الاحتفاظ
بتأشيرة وزارة المالية أيضا بالنسبة لعمليات الاقتراض تطبيقا لأحكام المادة 33 من
القانون 45.08 التي أبقت على نظام الوصاية المزدوجة بالنسبة لعمليات الاقتراض
كالتالي:"تخضع عمليات الاقتراض التي تقوم بها الجماعات المحلية ومجموعاتها
للمصادقة المشتركة لوزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية (المادة 22).
ب-إلغاء
العمل بمراقبة الالتزام بالنفقات.
إن مراقبة
الالتزام بالنفقات كما نظمها المرسوم 577-246 بتاريخ 5 شوال 1396 (30 شتنبر 1976)
هي مراقبة تتعلق بصحة الالتزام هدفها التأكد مما إذا كان الالتزام قد نشا بشأن
اعتماد متوفر ومما إذا كان مطابقا لباب الميزانية المقترح اقتطاعه منه ومن مدى
صحته بالنظر الى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل وهي مراقبة تجري قبل أن يقع
الالتزام بالنفقة وتتم بوضع تأشيرة على مقترح الالتزام أو برفض وضع التأشيرة مدعم
بأسباب.
ويتميز هذا
الشكل بطابعه القبلي، وبالتالي بطابعها الوصائي على الآمرين بالصرف حيث نتج عن
العمل بها البطء والتأخير وعدم الفعالية[23].
ثانيا: الحد من
وصاية وزارة الداخلية على المقررات المالية.
بالإضافة الى
إلغاء العمل بنظام الوصاية المالية المزدوجة، فإن القانون 45.08 حد أيضا من قوة
الوصاية التي تمارسها وزارة الداخلية على المقررات المالية، وذلك في مجال تغيير
المبالغ المرصودة.
يخضع تدبير
الميزانية المحلية لعدة مبادئ أساسية من ضمنها مبدأ تخصيص الاعتمادات بجعل النفقة
العمومية تظهر في الميزانية موزعة الى فروع وأبواب تنقسم الى فصول وفقرات وأسطر
هدفها توزيع الاعتمادات بقيم محددة على أغراض وقطاعات محددة، واحتراما لغايات هذا المبدأ،
فإنه يجب أن تنفذ هذه الاعتمادات تنفيذا يطابق تخصيصها الأصلي، إلا أن القانون
45.08 يأذن بجواز تغيير هذا التخصيص بالنسبة لنفقات التسيير إذا دعت الضرورة إليه
بمجرد قرار يتخذه الآمر بالصرف[24].
ولم يعد
القانون يشترط تدخل سلطة الوصاية في العملية الا إذا هم التغيير "الاعتمادات
برسم النفقات الآتية التي لا يمكن أن تكون موضوع اقتطاعات لفائدة نفقات أخرى إلا
بعد مصادقة سلطة الوصاية:
-نفقات
الموظفين والأعوان
-النفقات
المتعلقة بالالتزامات المالية الناتجة عن الاتفاقيات والعقود المبرمة من طرف
الجماعة المحلية أو مجموعاتها أو المقاطعة.
المبحث الثاني:مبدأ التدبير الحر بين اكراهات الرقابة
الإدارية وضعف الموارد المالية.
المطلب الأول:صرامة الرقابة الإدارية وتجليات تأثيرها
على مبدأ التدبير الحر.
هاجس الدولة
المتدخلة يسيطر على تدبير الشأن العام بالمغرب، ومن أبرز تجليات ذلك شكل وطبيعة
الرقابة الإدارية المفروضة على الجماعات الترابية،رغم أن دستور 2011 والقوانين
التنظيمية الجديدة منحت للجماعات الترابية صلاحيات واختصاصات تجعل هذه الهيئات
المحلية من الناحية النظرية ومن حيث المبدأ فاعلا أساسي لجانب الدولة في تدبير
الشأن العام،إلا أنه من الناحية الواقعية يصطدم كل هذا برقابة إدارية صارمة،متعددة
الأشكال كما أن اعتبار الجماعات الترابية فاعل أساسي في تدبير الشأن العمومي يصير
أمرا صعبا في ظل محدودية مواردها المالية وضعفها،وما في ذلك من مساس بمبدأ التدبير
الحر بالمغرب، ومن أبرز تجليات ذلك شكل وطبيعة الرقابة الإدارية المفروضة على
تدبير الشأن العام الجماعات الترابية، رغم أن دستور 2011 والقوانين التنظيمية
الجديدة منحت للجماعات الترابية صلاحيات واختصاصات تجعل هذه الهيئات المحلية من
الناحية النظرية ومن حيث المبدأ فاعلا أساسي لجانب الدولة في تدبير الشأن العام،
إلا أنه من الناحية الواقعية يصطدم كل هذا برقابة إدارية صارمة، متعددة الأشكال
كما أن اعتبار الجماعات الترابية فاعل أساسي في تدبير الشأن العمومي يصير أمرا
المطلب صعبا في ظل محدودية مواردها المالية وضعفها، وما في ذلك من مساس بمبدأ
التدبير الحر
الفقرة الأولى: عيوب الرقابة الإدارية وتأثيرها على مبدأ
التدبير الحر
يرتبط
بالرقابة الإدارية المطبقة على الجماعات الترابية، مجموعة من العيوب والنواقص
تجعلها تؤثر بالسلب على مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية، بل تصل الى درجة
تحجيم هذا المبدأ والمساس بحرية المبادرة والتقرير والتنفيذ للجماعات الترابية ومن
أبرز هذه العيوب، تضخم أجهزة هذه الرقابة، إضافة الى تعدد مجالات تدخلها
أولا:غموض ألفاظ ومصطلحات الرقابة
مع صدور
القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وتعديل مجموعة من الألفاظ
والمصطلحات المرتبطة بالرقابة الإدارية، في إطار تدقيق وتوضيح المفاهيم القانونية
المرتبطة بإجراءات الرقابة الإدارية، فأصبحنا نتحدث عن التأشير بدل المصادقة، وعن
المراقبة الإدارية بدل الوصاية، وعن مساعدة رجال السلطة (العامل والوالي خاصة)
لرؤساء المجالس لأداء مهامهم بدل توجيهم أو الوصاية عليهم، إلا أنه بالمقابل، هناك
بعض الصيغ المبهمة (الألغام القانونية) المزروعة بعناية، والتي من شأنها ضمان بقاء
سلطات الوصاية وممثيلها، ذوي سلطات أقوى على الجماعات الترابية. ونجد منها على
سبيل المثال و الذكر لا الحصر، ما ورد تحت عنوان المراقبة الإدارية(بما فيه من علل
وفخاخ). وذلك أساس من خلال مفهوم الرقابة على شرعية المقررات عوض الوصاية، ومفهوم
التأشير عوض المصادقة. فالشرعية كما هو معلوم ليست هي الشرعية، حيث الشرعية هي
مسألة فضفاضة ضمن إطار أو خصوصية معينة.
وتعني حيازة
القرار على الشرعية أي اكتساب الصبغة المقبولة لدى الجهة المعنية به نتيجة ثوابت
أو متغيرات، قد تكون سياسية أو إدارية أو اقتصادية أو تاريخية أو دينية أو غير
ذلك، حيث يقال على سبيل المثال الشرعية التاريخية أو الشرعية الدينية أو الشرعية
الانتخابية أو غيرها من المعطيات الأخرى التي قد تكون غير محددة ولا مضبوطة.أما
المشروعية فهي توافق القرار للقاعدة القانونية في الاختصاص والشكل والسبب والحل
والغاية، وفي حالة مخالفة يصاب القرار بعيب المشروعية ويدخل ضمن نطاق القرارات
المعيبة.وهذا مما يدل على أن وصاية الملائمة مازالت قائمة على الجماعات الترابية
شكلا من خلال التأشير المسبق، ومضمونا من خلال اعتماد مفهوم الشرعية عوض
المشروعية. وبخصوص التأشير والمصادقة، يطل الإجراءان متقاربان بل متماثلان من خلال
النتائج والآثار المترتبة عنها. حيث ضرورة النظر والمراقبة المسبقة لسلطات الوصاية
على تلك القرارات وإلا ستبقى غير قابلة للتنفيذ[25].
ثانيا: تضخم أجهزة الرقابة الإدارية على الجماعات
الترابية.
إن الوصاية التي تفرضها الأجهزة المركزية على
الجماعات الترابية، متعددة ومعقدة، وإذا كانت المجالس المنتخبة بالجماعات الحضرية
والقروية، التي هي مبدئيا أكثر حرية واستقلالية مقارنة بمجالس العمالات أو
الأقاليم وبمجالس الجهات، فالرقابة الإدارية الممارسة عليها تعتبر متعددة الصور
والوجوه والمجالات والميادين، وكثيرة هي الأجهزة الرقابية التي تمارسه[26].
بل الأكثر من
ذلك كله، هو أنه حتى القوانين التنظيمية الجديدة التي صدرت لتنظيم الجماعات
الترابية، تنفيذا لما جاء به الدستور بخصوص التنظيم الترابي للمملكة الذي أصبح
قائما على الجهوية المتقدمة، لم تأتي بأي جديد في مجال تعدد وتضخم أجهزة الرقابة
الإدارية، ومن هنا تخضع العمليات المالية والمحاسبية للجماعات الترابية لتدقيق
سنوي تنجزه إما بشكل منفرد أو بشكل مشترك كل من المفتشية العامة للمالية و المفتشية
العامة للإدارة الترابية، جهة كانت أو جماعة.
فقد أسندت
مهمة الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية بالمغرب وبدرجة أولى الى وزارة
الداخلية بصفتها الجهة الوصية[27].
وكذا
الى الوزارة المكلفة بالمالية في درجة ثانية، وذلك على مستوى ممارسة جزء من
الوصاية المالية[28].
تم من أجل ذلك
إحداث عدة أجهزة وهيأت إدارية ومالية متخصصة في الرقابة تابعة لتلك الوزارتين.
وكل تلك الأجهزة
الرقابية تشتغل الى جانب الرقابة الوصائية الأساسية المسندة الى وزارة الداخلية،
ممثلة في وزير الداخلية أو العمال والولاة حسب نوع الجماعة الترابية المعنية وحسب
أهمية الشأن الإداري أو المالي موضوع الرقابة الوصائية.
هذا
ناهيك عن الرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية، من خلال المحاسبين
العموميين المضطلعين بمسألة المراقبة المحاسبية للعمليات المالية.
إن
أجهزة الرقابة الإدارية، وعلى الرغم من وجود هدف مشترك تسعى على تحقيقه، وهو حماية
المصلحة العامة والحفاظ على المال العام المحلي وعقلنة تدبيره، بالإضافة الى العمل
على ضمان وحدة العمل الإداري على المستوى الترابي، فهي تمارس عملها بشكل مستقل عن
بعضها البعض ولا يوجد أي تنسيق مسبق أو مخطط يقسم العمل الرقابي بينهما. ولعل هذا
الأمر نتيجة منطقية لعدم وجود أي مخطط أو برنامج أو تنسيق أو تعاون بين تلك
الأجهزة الرقابية.
حيث غياب أي
مقتضى قانوني ينظم عملية توحيد وتنسيق الأعمال التي تقوم بها تلك الأجهزة الرقابية
ويعتبر حرص الدولة المغربية على وحدتها وعلى حماية الأموال العامة المحلية من سوء
الاستعمال، وضمان صحة وسلامة العمليات الإدارية على المستوى المحلي، من الدوافع
المعلنة لإحداث وسائل واليات متعددة ومتنوعة لمراقبة الجماعات الترابية. ذلك من
الناحية النظرية فقط، أما في الحقيقة وعلى المستوى الواقعي، فإن الأمر لا ينحصر في
ذلك. حيث باستقراء دقيق لمختلف العوامل والمعطيات والظروف التي تحيط بالرقابة
الإدارية على الجماعات الترابية يمكن التأكيد على أن الحفاظ على المصلحة العامة،
ليس هو السبب الوحيد الذي كان وراء تعدد المتدخلين في عمليات الرقابة الإدارية.
فالأجهزة والمؤسسات والجهات الرقابية قد وصلت الى حد كبير من التضخم، حيث التفريغ
اللاعقلاني للهياكل وأجهزة الرقابة الإدارية، لأسباب ودوافع أخرى.
أبرزها تغييب
البعد الاستراتيجي والتخطيطي المقصود حفاظا على المصالح والامتيازات التي يوفرها
ذلك التضخم والاختلال أو الانحراف الرقابة لبعض المسؤولين محليا ومركزيا ويعتبر
هذا التعدد والتضخم في الهياكل والأجهزة الرقابية من أهم وأبرز المعطيات السلبية
والمعيقات البنيوية التي تنطوي عليها المنظومة الوصائية والرقابة الإدارية بصفة
عامة.
وذلك نظرا لما
تشكله مسألة التعدد والتضخم من مس بفعالية وجودة ونجاعة العمليات الرقابية في حد
ذاتها[29].
ولعل الأدهى
والأمر من كل ما سبق، هو أن القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية قد حملت
هي الأخرى نفس المنطق الرقابي، بخصوص تضخم وتعدد الأجهزة الرقابية.
فرغم كون تلك
النصوص القانونية قد جاءت بمستجدات في الرقابة الإدارية متقدمة نسبيا، مقارنة مع
القوانين التي سبقتها، فإنها تشتمل على نقائص وثغرات كثيرة نأمل أن يتم تداركها في
المستقبل القريب.
فالأمر يتعلق هنا بتنظيم وتأطير للتنظيم
الترابي الجديد الذي يقوم على الجهوية المتقدمة وللامركزية المتطورة، وعلى هذا
الأساس لا يصح ولا يعقل أن يتم الإبقاء على ظاهرة التضخم الرقابي إذن فالاستقلال
الإداري الذي تحدثنا عنه سابقا يصير نسبيا، في ظل هذا التعدد والتنوع والتضخم الغير مجدي واللامبرر واللاعقلاني
للأجهزة الرقابية والوصائية على الجماعات الترابية، ويزداد هذا الأساس تقلصا إذا
ما وقفنا على مجلات التدخل المفرطة لهذه الأنظمة الرقابية المتعددة.
ثالثا:تعدد مجالات تدخل سلطات الرقابة الإدارية.
ما فتئ
الحديث عن تدخلات السلطة المركزية في شؤون الوحدات المحلية المنتخبة بتخبط فيها،
كما يجمع على ذلك معظم الدارسين والباحثين والمهتمين بالشأن العام المحلي ولعل هذا
الوصف ينطبق على كلا الرقابتين وإن بنسب مختلفة سواء تلك التي تمارسها سلطات
الإشراف ممثلة في وزارة الداخلية بالخصوص، أو الرقابة التي تمارسها الوزارة
المكلفة بالمالية. حيث إذ كانت الأولى
تتكلف بتأمين مراقبة العمليات والشؤون الإدارية
مع جانب من الشؤون المالية، وتتدخل من أجل ذلك في دقائق الأمور وتفاصيلها، فإن
الثانية ونظرا لطبيعة مهامها وصلاحياتها، تختص بمراقبة جميع العمليات المحاسبية.
ولقد تبين
من التعريف السابق على التمظهرات والتجليات الرقابية ذات الطابع الإداري الممارسة
على الجماعات الترابية بالمغرب، وجود رقابة صارمة على المشروعية، إن على المستوى
المالي أو على المستوى الإداري خاصة في شقها المتعلق بالأشخاص.
بل تمتد
سلطات الوصاية برقابتها الى التدخل في مدى ملائمة قرارات وتصرفات الأجهزة والهيأت
المحلية المنتخبة لاعتباراتها المختلفة والمتعددة، وهذه التدخلات المتنوعة لأجهزة
الرقابة الإدارية تمثل انحرافا وتعديا واضحا على فلسفة وسياسة اللامركزية الرابية،
والتي تقوم على مبدأ "لا وصاية إلا بنص" مع عدم التوسع في تفسير وتأويل
ذلك النص. كما تشكل أحيانا اعتداءا صارخا على مبدأ التدبير الحر، فهذا المبدأ إذا
كان لا بد أن يكون مقرونا بالإشراف والوصاية في إطار اللامركزية الإدارية
الرقابية، فإنه لا يتيح للدولة أي سلطة على أعمال وتصرفات الجماعات المحلية بخصوص
الملائمة. وذلك حفاظا على استقلاليتها، وعلى ماهية وكينونة اللامركزية الإدارية
الترابية كما هو متعارف عليها ولعل نفس الخطوط العريضة للرقابة الإدارية ونفس المكونات
الرقابية حافظت عليها القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية. بالرغم من
كونها جاءت ببعض الإصلاحات الى أنه لا يمكن القول أن القوانين التنظيمية ستتجاوز
التدخلات المفرطة للرقابة الإدارية في شؤون الجماعات الترابية، عندما ستدخل حيز
التنفيذ إذ بقيت هكذا. وبالخصوص عندما ستصطدم بالواقع العملي والتطبيقي، حيث
الفجوة البنيوية[30].
إن التدخلات
المفرطة للرقابة الإدارية على شؤون الجماعات الترابية لا تحتاج الى شرح وتوضيح،
فهي بادية للعيان على جميع الأصعدة والمستويات ولا ريب فيها. فكما هو معلوم في هذا
الصدد، تتوزع الرقابة الوصائية بين الجانب الإداري والمالي للجماعات الترابية
وتشمل الوصاية على الشؤون الإدارية، الأشخاص، سواء بصفتهم الفردية أو الجماعية. في
حين تشمل الوصاية على الأعمال جميع التصرفات الصادرة عن الوحدات اللامركزية، سواء
كانت صادرة عن مجالس الجماعات الترابية أو تلك الصادرة عن رؤسائها. أما المراقبة
الإدارية للشؤون المالية بالجماعات الترابية، فهي لا تقل عن نظيرتها شدة وصرامة
حيث تنصب على جميع المعاملات المالية[31].
وعلى صعيد
متصل، وإذا كانت النصوص القانونية قد كرست التدخلات المفرطة للرقابة الإدارية في
شؤون الجماعات الترابية، فإن تلك التدخلات على مستوى الواقع والممارسة ستكون أدهى
وأمر، وأكثر ثقلا وصرامة وتأثيرا على استقلالية الجماعات المحلية. فحضور سلطات
الوصاية بشكل يشوه مفهوم اللامركزية الترابية ذات البعد الديمقراطي والتنموي، سمة
أساسية في التجربة المغربية. بل أحيانا تحت مسمى الرقابة الإدارية وحماية المصلحة
العامة، يتدخل ممثلو سلطات الوصاية حتى في الاختصاصات غير المراقبة للهيآت
المنتخبة، ويكون ذلك بصفة خاصة إثر ممارسة سلطات الحلول المخولة لهم.
إن مسألة
حلول الجهة الوصائية بمقتضى سلطاتها الاستثنائية المحددة قانونا مقام الجهة
المركزية، لتنفيذ بعد التزاماتها التي لم تقم بها بقصد أو لعجز أو إهمال،
المستوحاة من التجربة الفرنسية، تعتبر السيف الرقابي الأكثر تسلطا على الجماعات
الترابية، ومس حقيقي وصارخ ومباشر لمبدأ التدبير الحر وعلى صعيد آخر يتدخل ممثلو
سلطات الوصاية أحيانا في اختصاصات الهيآت المنتخبة، ضاربين بكل المقتضيات
القانونية عرض الحائط، وذلك كما هو الأمر في بعض الحالات المتعلقة بإغلاق محلات
تجارية، وبسحب أو إلغاء أو إيقاف تراخيص مسلمة من طرف رؤساء المجالس الجماعية من
الأشخاص المستفيدين منها، وذلك دون اللجوء حتى مسطرة الحلول المخولة لهم قانونا.
الفقرة
الثانية:الحلول الناجعة من أجل تفعيل وتنزيل مبدأ التدبير الحر.
لقد أبانت
المقاربة التقليدية المعمول بها لمراقبة الجماعات الترابية عن محدوديتها وعد
نجاعتها في تمكين الدولة من الوصول الى تحقيق التنمية المحلية المنشودة لذلك ينبغي
التفكير في وضع طرائق ومقاربات جديدة للرقابة من أجل الارتقاء بالجماعات الترابية
عبر تمتعيها بمبدأ التدبير الحر وتفعيله واقعيا.
وفيما
يلي بعض الحلول التي صاغها بعض الباحثين والدارسين من أجل ضمان رقابة إدارية حديثة
تتماشى والتنظيم القانوني الجديد الذي يقوم على مبدأ التدبير الحر.
أولا: تحقيق الاندماج والتكامل في الرقابة على الجماعات
الترابية.
تخضع
الجماعات الترابية لأصناف متعددة من العمليات والممارسات الرقابية التي تختلف حسب
أشكالها ومجالات تدخلها ولكن لها نفس المقصد والغاية.
ومما لا
شك فيه أن التعدد في الأنماط والممارسات الرقابية المفروضة على الجماعات الترابية
بالمغرب يطرح عدة إشكالات كبيرة.أهمها إشكالية تكرار نفس الأفعال والممارسات
الرقابية من قبل جهات ومؤسسات رقابية متعددة. ومن ثم إهدار الجهد والزمن الرقابي
بدون جدوى[32].
وعلى هذا
الأساس وقصد تحقيق الاندماج والتكامل والالتقائية في الممارسات الرقابية المختلفة
على الجماعات الترابية.لا بد من وضع إستراتيجية علمية دقيقة ومحكمة للرقابة، ثم
بعد ذلك لا بد من العمل على دعم وتحين تلك الإستراتيجية باستمرار من خلال الوسائل
والإجراءات والآليات التشريعية والتنظيمية
الكفيلة بتنظيم العلاقات القائمة بين جميع الأجهزة الرقابية. كما أنه يجب أن يكون
هناك تكامل بين مختلف المكونات الرقابية أي تجميع مكونات نظام الرقابة من خلال
إستراتيجية رقابية علمية موحدة أو بعبارة أخرى يفرض تحقيق الاندماج والتكامل في
الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية وعلى هذا الأساس لا تتدخل تلك الرقابة
الوصائية الا فيما لا يمكن أو لا تستطيع الجهات الرقابية الأخرى التدخل فيه بالفعالية
والنجاعة والجودة المطلوبة.
إن تبني
المقاربة الإستراتيجية في النظام الرقابي الممارس على الجماعات الترابية بالمغرب
هو الطريق الوحيد لإرساء دينامية جديدة في هذا المجال وتدشين لمسار التأسيس لقاعدة
التدبير الحر وما يعكس له من حمولة في أبعاده المؤسساتية والتنظيمية والتدبيرية
للجماعات الترابية[33].
ثانيا:اعتماد المناهج الرقابية الحديثة لمراقبة الجماعات
الترابية.
لقد أصبحت
الجماعات الترابية في الآونة الأخيرة، مطالبة بالعمل على اعتماد المناهج الرقابية
الحديثة كمقاربة جديدة لتفعيل مبدأ التدبير الحر وتكريسا للجهوية المتقدمة.
واللامركزية المتطورة التي اتجه المغرب نحوها بعد الدستور الجديد ومن أجل النهوض
برقابة إدارية تتماشى ومبدأ التدبير الحر الذي خول للجماعات الترابية صلاحيات
واختصاصات واسعة لا بد من إعمال عدة تقنيات للمراقبة. أهمها إعمال تقنيات المراقبة
الداخلية بالجماعات الترابية لتحقيق تدبير عمومي ترابي فعال. فمن أجل تتبع وتغيير
العمل المحلي بنوع من الفعالية والنجاعة. من حيث معرفة مظاهر القوة لتعزيزها
والوقوف على مظاهر الضعف لتجاوزها.
فالرقابة
الداخلية تساهم في التحكم في مختلف عمليات التسيير الجماعي وذلك بنوع من الفعالية
والنجاعة والسعي نحو تكريس الجودة والحكامة الترابية عموما.
وعلاوة على
ذلك وجب تكريس رقابة جديدة على الجماعات الترابية بالمغرب قوامها التقييم
والمتابعة والدقة الرقابية هدفها الأول والأخير الرفع من مستوى فعالية التسيير
والتدبير الإداري المحلي،ويتضمن التتبع والتغيير مراجعة الطرق والإجراءات العملية
للجماعات الترابية من أجل تحديد مدى كفاءتها وفاعليتها ونجاعتها وجودتها. وذلك قصد
تقدير المقترحات والتوصيات لتحسينها وتصويب التدخلات والإجراءات التنموية للنهوض
بها[34].
ثالثا: إيجاد تصور جديد يتماشى ومبدأ التدبير الحر.
مما لا شك
فيه أن الرقابة التقليدية على الجماعات الترابية قد أظهرت عجزها عن التصدي لسيل
المشاكل والاكراهات التي تقف عائقا أمام تنزيل وتفعيل مبدأ التدبير الحر وضمان
استقلال إداري ومالي يواكب اللا تمركز الواسع.والسبب في ذلك يرجع الى نمطية
الأساليب المتبعة لتلك الرقابة وتأسيسها على مقاربة قانونية صرفة وهي مقاربة أصبحت
متجاوزة في ظل التحديات والمستجدات المرتقبة فالأمر إذن يقتضي نهج مقاربة عقلانية
للرقابة تجمع بين المرونة والفعالية[35].
إذ تعتبر
مسألة نهج مقاربة عقلانية للرقابة تجمع بين المرونة والفعالية من أهم الإشكالات
التي أصبحت تطرح نفسها اليوم إثر الدخول في تجربة اللامركزية المتطورة والجهوية
المتقدمة.
إذ أصبحت
الدولة المغربية وفي إطار الاتجاه نحو الجهوية المتقدمة واللامركزية المتطورة
وتطبيقا لمبدأ التدبير الحر عبر منح استقلال مالي وإداري للجماعات الترابية مطالبة
بوضع إستراتيجية رقابية جديدة وذلك بإرساء دعائم مراقبة فعالة مرنة وناجعة قوامها
الحفاظ على المصلحة العامة وضمان استقلالية الوحدات المنتخبة في قراراتها
وتصرفاتها المختلفة.
والى جانب كل
هذا لا بد من الانتقال بالرقابة الوصائية من منطق التبعية الى الندية وتجاوز تلك
العلاقة اللا متوازنة المعهودة والرابطة بين الجماعات الترابية والدولة والتي استمرت
لعدة سنوات. وإن كانت القوانين التنظيمية الصادرة مؤخرا قد حاولت تجاوز هذا الأمر
وعملت على التخفيف الى حد ما من المنطق الوصائي بتغليب مبدأ الرقابة البعدية. الى
جانب إصلاحات أخرى فإن الواقع العملي يعكس ذلك وهو ما يطرح إشكالية مدى ملائمة
القانون للواقع[36].
المطلب الثاني: الاستقلال المالي للجماعات الترابية في
ظل محدودية الموارد المالية.
تشكل
الإمكانيات المالية حجر الزاوية في تمويل التنمية المحلية، وفي استقلال الجماعات
الترابية عن سلطة الوصاية وأساس تحقيق تعزيز اللامركزية التي لا يتوقف تحقيقها على
تخويل المجالس المنتخبة اختصاصات متعددة وواسعة بل يتوقف بالأساس على نطاق الموارد
المالية المتوفرة لدى الجماعات الترابية. ومما لا شك فيه أن محدودية الموارد
المالية بشكل حاجزا جوهريا أمام انجاز المشاريع الاستثمارية وتحول دون ممارسة
الجماعات الترابية لوظيفتها التنموية[37].
هذا ينعكس
على الاستقلال المالي لهذه الوحدات الترابية. وبالتبعية على مبدأ التدبير الحر،
مادام هذا الأخير الى جانب الاستقلال الإداري يقوم على الاستقلال المالي الذي
يتأثر بضعف ومحدودية الموارد المالية المحلية.وهذه الإشكالية ينتج عنها تبعية
مالية للدولة من قبل الوحدات الترابية. الأمر الذي يدفع هذه الوحدات الى الاعتماد
على التمويل الخارجي وهذا يمكن إرجاعه الى مجموعة من العوائق.
الفقرة الأولى:محدودية التمويل الخارجي وضعف التمويل
الذاتي للجماعات الترابية.
إذا كانت
الموارد الذاتية للجماعات الترابية تعجز عن تغطية نفقاتها الخاصة فإن لجوئها
لوسائل التمويل الخارجي يصبح ضرورة ملحة لقيامها بمهامها وممارستها لاختصاصاتها.
وهو ما يرتبط
بالظرفية وسياسة الدولة ذاتها، مما يشكل مسا مباشرا بالاستقلال المالي للجماعات
الترابية[38]، ومن
بين أهم أنواع الموارد الاستثنائية هي القروض المحلية والإعلانات أو الإمدادات
المالية.
لقد خول
القانون للجماعات الترابية إمكانية للاستفادة من القروض لتمويل مشاريعها التنموية
وتتعدد الجهات التي تقدم القروض للجماعات المحلية مثل صندوق الموازنة والتنمية
الجمعوية وصندوق تنمية الجماعات المحلية. ويبقى أهمها على الإطلاق هو صندوق
التجهيز الجماعي الذي تم إحداثه سنة 1960 وهو مختص في تمويل المشاريع التجهيزية
الأساسية وبعض المشاريع ذات المردودية الاقتصادية، الى أن نظام القروض يعرف بعض
الاختلالات فأمام ضعف موارد الجماعات الترابية تلجأ الى الاقتراض إما من مؤسسات
تابعة لمنظمات دولية وإقليمية ذات طابع جماعي بشرط أن تحصل على ضمانات من طرف
الدولة.وإما اللجوء الى صندوق تجهيز الجماعات المحلية[39]،الى
أن هذا الصندوق لا يؤدي إلا دورا محدودا لأسباب متعددة. وهذا كله يعبر عن تكريس
وهيمنة المركزية فالدولة إذن هي التي تحدد معايير التوزيع وطرق الاستفادة منها أما
فيما يتعلق بالإمدادات العمومية فهي إعانات تسلمها الدولة للجماعات الترابية من
أجل تغطية العجز الحاصل في ميزانيتها سواء بالنسبة لميزانية التسيير أو
التجهيز.لأن تحقيق التنمية الاقتصادية على الصعيد المحلي يتطلب وجود إعتمادات
مالية كافية وهو ما تعجز عن توفيره الموارد الذاتية للجماعات.
الفقرة الثانية: معيقات تحقيق استقلال جبائي للجماعات
الترابية ومدى تأثيرها على مبدأ التدبير الحر.
يقع
الكثيرون في خلط بين الاستقلال الجبائي والاستقلال المالي فيحصرون هذا الأخير في
مدى قدرة الجماعات الترابية في صنع قرارها الجبائي بكل استقلالية، لكن الاستقلال
الجبائي هو أهم جزء و أكثر فاعلية في تحقيق الجماعات الترابية لاستقلالها المالي
ومن ثم استقلال إداري الذي يعتبر موازي ورهين بالاستقلال المالي، وهكذا بغياب
استقلال جبائي يؤثر بالسلب أكثر من غيره على الاستقلال المالي وهو ما ينعكس
بالضرورة على مبدأ التدبير الحر.
أولا:معيقات مرتبطة بالقوانين التنظيمية للجماعات
الترابية.
أهم ميزة
ميزت النصوص القانونية المنظمة للمالية المحلية عموما والجبائية المحلية خصوصا
تأخرها عن مواكبة الإصلاحات الإدارية التي تعتبر تجربة مهمة في المغرب، وهذا
التأخير كان من جميع النواحي سواء الفعالية القانونية أو المواكبة أو الموازاة.
هذا بالإضافة
الى تعدد وتعقد وتشتت النصوص القانونية المنظمة للجباية المحلية التي تطغى أيضا
على المشروع الحالي رغم أنه سعى الى تجاوز هذا المشكل من خلال تبسيطه قواعد فرض
الرسوم والمساطر وقواعد التحصيل وقلل من عدد الرسوم. غير أن المشكل لازال مسمرا.
بحيث تم حذف 9 رسوم وهي ذات مردودية ضعيفة، إن عجز المنظومة القانونية في التدخل
من أجل تضريب قطاعات مهمة يمكن أن يساهم في الرفع من موارد الجماعات المحلية خصوصا
العقار.
إذ أن
الإشكاليات المرتبطة بمستوى الإطار القانوني كان من الطبيعي أن تنعكس على مستوى
البنية الضريبية.
مع العلم أن
المصدر الأساسي من الناتج الضريبي الذي تستفيد منه الجماعات المحلية يبقى ذلك
المرتبط بالضرائب المخولة من طرف الدولة حيث تقدر بأكثر من 70%.
ثانيا: معيقات مرتبطة بالموارد المالية للجماعات
الترابية.
تعتبر
الموارد المالية هي الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها الجماعات المحلية في مختلف
الميادين لتحقيق أهدافها التنموية وأداء المهام الموكولة إليها على أحسن وجه، لكن
في الواقع أن الجماعات المحلية تعاني من عدم توفر الإمكانات المالية والقارة
للقيام بمهامها بالرغم من توفرها على الاستقلال المالي نظريا لأن من المفروض أن
يلي منح الاستقلال المالي منح موارد خاصة بمقتضى نظام مالي يصحح الاختلالات
والفوارق المالية ويوزع الموارد الجبائية بالتساوي بين الجماعات المحلية فيما
بينها من جهة وبين الجماعات المحلية والدولة من جهة أخرى.
فليس معقول
أن تكون الجماعات المحلية تتمتع باستقلال مالي ولازالت لحد الآن تعتمد وبشكل كبير
على إمدادات الدولة من الضريبة. فالقانون الجبائي الجديد لم يقدم الشيء الكثير
بالنسبة للجماعات المحلية. زد على ذلك مداخيل الأملاك المحلية فهي جد هزيلة
بالنسبة لأغلبية الجماعات.
خاتمة:
إن الاختصاص
الأساسي للجماعات الترابية يكمن في تدبير الشأن الترابي، وتحقيق حاجيات السكان
وتنمية المجال المحلي والجهوي، وإذا كانت آليات تدخل هذه الهيآت اللامركزية تتنوع
وتتعدد بحسب المجالات المعنية بممارسة الاختصاصات المعترف بها لها قانونا، فإن هذا
التنوع إنما يدل على تطور الأدوات التدبيرية للجماعات الترابية مقابل تعقد
الحاجيات الترابية وتطور متطلبات التنمية الترابية.
وهذا
الاختصاص رهين بوجود سلطة تقريرية وسلطة تنفيذية للمجالس المنتخبة المحلية قائمة
على الحرية والمبادرة والاستقلالية، وهو ما تم التأكيد عليه دستوريا من خلال
التنصيص على التنظيم الترابي والجهوي للمملكة يقوم على مبادئ التدبير الحر، ومع
صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، تم التأكيد على هذا المبدأ
الدستوري. إلا أنه لم تعطي لهذا المبدأ أي تعريف دقيق وواضح، وإنما ربطته بتمتيع
الجماعات الترابية بسلطة تداولية بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذية للمداولات
والمقررات.
[1] -رفيقة اليحياوي: دور الحكامة الجيدة في تدبير
الشأن المحلي، جهة العيون الساقية الحمراء نموذجا، أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون العام، كلية الحقوق أكدال –الرباط- سنة 2012-2013، ص 283.
[2] -نص المبادرة المغربية للتفاوض
بشأن منح حكم ذاتي لمنطقة الصحراء تقدمت بها المملكة المغربية الى الأمم المتحدة
في أبريل 2007 منشور على موقع المجلس الملكي الإستشاري للشؤون الصحراوية www.corcas.com..
[3] -« … de le libre
administration des collectivités territorialees de leurs competences et de
leurs resources… »
[4] -l’article 72
de la constitution francaise. « les collectivités territoriales de la
république sont les communes ; les departements :les regions,les
collectivités a statut particulier et les collectivités d’autre mer… toute
autre collectivit é est crée par la loi .. ces collectivités s’administent
librement par des conseils élus et diposent d’un pouvoir réglementaire pour
léxercice de leurs compétences ».
[5] -conseil d’etat ,18 janvier
2001,requête n 229247,cmmune de venelles.
[6] -رفيقة اليحياوي، المرجع
السابق، ص 293.
[7][7] -اليعكوبي محمد: تأملات حول
الديمقراطية المحلية بالمغرب، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الثانية سنة 2008، ص
13.
[8] -محمد باهي:مراقبة المشروعية
بالجماعات الترابية على ضوء القوانين التنظيمية الجديدة، المجلة المغربية للإدارة
المحلية والتنمية، العدد 124 شتنبر-أكتوبر، 2015، ص35.
[9] -أحمد أجعون:الجهوية المتقدمة
في الدستور المغربي لسنة 2011، مجلة القضاء الإداري العدد الثالث-السنة الثانية،
مطبعة المعارف الجديدة-الرباط، 2013،ص142.
[10] -الميلود بوطريكي: قراءة في
القانون التنظيمي رقم 14.111 المتعلق بالجهات: المزايا والعلل، المجلة المغربية
للدراسات والإستشارات القانونية، العدد 6-2016، ص13.
[11] -المادة 20 من القانون التنظيمي
14.111 المتعلق بالجهات.
[12] -القانون رقم 47/96 المادة 10
منه.
[13] -الميلود بوطريكي: المرجع
السابق، ص 14.
[14] -الميلود بوطريكي: ن،م،ص 15.
[15] -عبد الفتاح بلخال –محمد باسك منار:
التنظيم الإداري، مرجع سابق، ص 167.
[16] -يقصد بالأعضاء المزاولين
مهامهم أعضاء المجلس الذين لا يوجدون في إحدى الحالات التالية: الوفاة، الاستقالة
الاختيارية، الاقالة الحكمية،العزل، الإلغاء النهائي للانتخاب.
[17] -محمد باسك منار-عبد الفتاح
بلخال:م س، ص 172.
[18] -الميلود بوطريكي: م س، ص 18.
[19] - الميلود بوطريكي: م س، ص 18
[20] -محمد باسك منار-عبد الفتاح
بلخال: م س، ص 238.
[21] -عبد الفتاح بلخال-محمد باسك
منار: م س، ص 180.
[22] -مصطفى معمر: إصلاح التنظيم
المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية
العدد 08 يناير-فبراير 2013، ص27.
[23] -المصطفى معمر: م س، ص 28.
[24] -المصطفى معمر: م س،ص 29.
[25] -عماد أبركان: نظام الرقابة على
الجماعات الترابية ومتطلبات الملائمة، ص 67.
[26] -المرجع السابق، ص 249.
[27] -المرسوم الصادر في 15 دجنبر
1997 في شأن اختصاصات وزارة الداخلية كما تم تتميمه وتعديله
[28] -المرسوم الصادر في 23 أكتوبر
2008 بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة المالية.
[29] -نجيب جبري: إصلاح التدبير
المالي بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية،منشورات المجلة المغربية
للإدارة المحلية والتنمية عدد 104،ص 24.
[30] -عماد أبركان: م س،..
[31] -محمد الأعرج: المنازعات
الإدارية والدستورية في تطبيق القضاء المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية
والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 78، ص 243.
[32] -عماد أبركان: نظام الرقابة على
الجماعات الترابية ومتطلبات الملائمة، الطبعة الأولى. ص 404.
[33] -عماد أبركان:المرجع السابق، ص
407
[34] -حنان القادري: المقاربة
الجديدة لتقييم التدبير الترابي على ضوء تقرير الاستشارية الجهوية، منشورات مجلة
المنارة،ص 190 يناير 2012.
[35]-المرجع السابق، ص 421.
[36] -عماد أبركان: المرجع السابق، ص
430.
[37] -أمال بلشقر:تدبير الجماعات
الترابية للمشاريع التنموية بين اكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية
المندمجة،ص 263،مرجع سابق.
[38] -عبد اللطيف برحو: مالية
الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية،المجلة المغربية للإدارة
المحلية والتنمية، الطبعة الثانية،ص 277.
[39] -الجماعات الترابية بين توسيع
الاختصاصات التدبيرية اكراهات الاستقلالية المالية دراسة تحليلية، رسالة لنيل
شهادة الماستر قانون عام جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية وجدة سنة 2015-2016.
تعليقات
إرسال تعليق