التجربة الألمانية في الرقابة القضائية العليا على المال العام
يختلف النموذج
اللاتيني في الرقابة القضائية العليا على المال العام عن نظيره الأنجلوسكسوني،
بحيث أن هذا النموذج يعتمد في الرقابة على
موظف سام في الدولة، يرأس الجهاز الرقابي أما المدرسة اللاثنية، وخاصة النموذج
الألماني، فتعتمد على محكمة الحسابات ويتمتع أعضائها بحصانة قضائية وامتيازات
القضاء، ولاسيما مبدأ عدم قابلية العزل والنقل.[1]
ويتميز النموذج الألماني بكونه أسلوب
قضائي في المظهر التنظيمي لكن أعمال الجهاز الرقابي وقرراته وتوصياته لا تتسم
بالطابع القضائي، أ أن هناك اختلاف نسبيا البيئة المؤسسة والتنظيمية في النماذج
الديمقراطية المعاصرة، تؤدي إلى اختلاف الأسلوب لكن الغاية المشتركة واحدة من أجل
ضمان الاستقلالية وفاعلية هذه الأجهزة. لكن تحقيق هذه الفاعلية من خلال الجهاز
الرقابي ببرلمان حقيقي تمثيلي ويتمتع بسلطات مالية قوية، وتشريعية سياسية، ورهين
كذلك باستقرار الأعضاء الفنيين للجهاز الرقابي وتحصينهم من الضغوطات، والتمتع بالاستقلال
الوظيفي وإعطائهم صفة الضبط القضائي التي تؤمنهم من العزل والنقل[2]
بدأت معالم التجربة الألمانية في الرقابة
العليا على المال العام تتضح مند سنة 1714 حيث تم في هذه السنة إنشاء المجلس العام
للمحاسبات من طرف الملك "فيرديك الأول" واعتبرت انطلاقة قوية لتقوية
وتعزيز وتدعيم للرقابة العليا على المال العام وذلك إلى غاية 27 ديسمبر 1950، حيث
وضع أسس الرقابة العليا على المال العام في ألمانيا وبعده صدور القانون رقم 11
الخاص بتنظيم المحكمة بتاريخ 11 يوليو 1985 لتحديد وضع هذه المؤسسة فأكد هذا
القانون على استقلال هذا الجهاز الرقابي.[3]
وتجدر
الإشارة على أن الدستور الألماني نص على طبيعة النظام الفيدرالي إذ أنه من ستة عشر
محافظة (Lander)
تتمتع باستقلالية تامة، كما تتوفر على برلمانات وحكومات جهوية خاصة به وفي مجال
الرقابة المالية تتمتع الفيدرالية والمحافظة باستقلالية في تسيير الأموال إذ
بالنسبة للفدرالية (ألمانيا) ومحكمة حسابات لكل محافظة، وكل محكمة مستقلة عن
الأخرى، ودون وجود أدنى علاقة إدارية بينهما، باستثناء وجود علاقة تعاون وثيقة
بينها.[4]
أما
الرقابة التي تمارس محكمة الحسابات الفيدرالية الألمانية مستقلة تماما عن الحكومة،
ولا تخضع إلا للقوانين ويتمتع أعضائها باستقلال عن هذه الأخيرة ومستقلة عن باقي
المحاكم وأيضا لا تدخل في نطاق اختصاص السلطة التشريعية. إذ أن القانون الداخلي
للمحكمة الصادر في دجنبر 1987 يتضمن الأسس المنظمة للمحكمة فهي تتكون من تسعة
أقسام للرقابة وسبعة وخمسين قطاع للرقابة، ويعين رئيس المحكمة من قبل رئيس
الفيدرالية لمدة لا تزيد عن 12 عاما وهي نفس المدة التي يخضع لها نائبه، ومهمته
الأساسية هي مساعدة الرئيس الأول للمحكمة في أداء مهامه ووظائفه، أما باقي أعضاء
المحكمة فتعيينهم من قبل رئيس المفوضية الألمانية باقتراح من رئيس محكمة الحسابات.
اختصاصات
المحكمة:
1.
رقابة وضمان التدبير المالي والاقتصادي للفدرالية الألمانية
2.
مراقبة بعض المصالح والمؤسسات العامة الصناعية والتجارية
3.
رقابة مؤسسة الضمان الاجتماعي
4.
ممارسة الاختصاصات الاستشارية حيث تقوم بهذه الوظيفة تجاه المؤسستين
الرسميتين وهما البرلمان والحكومة الفيدرالية بما في ذلك مختلف الوزارات.
5.
تقديم تقريرا سنويا في مختلف الأنشطة للبرلمان وإلى الحكومة الفيدرالية،
وينشره بالجريدة الرسمية لإطلاع الرأي العام الألماني.
ومعرفة محتوياته من خلال ندوة يعقدها رئيس المحكمة متخصصة لذلك،
وتعتبر هذه سمت من سمات الشفافية في الرقابة العليا.
وفي إطار التواصل بين المحكمة والرأي العام والمجتمع المدني، فإن
التجربة الألمانية للرقابة العليا منفتحة أكثر بالمقارنة مع التجارب الأخرى، على
مكونات المجتمع، من خلال عقد رئيس المحكمة لندوة صحيفة سنويا يعرض فيها الخطوط
العريضة والعامة للبرلمان والحكومة وبعد ذلك يتم نشره ليطلع عليه الرأي العام.[5]
كما يتم مراقبة حسابات المحكمة الفيدرالية من طرف البرلمان والحكومة بخلاف الكثر من دول التي افتقدت هذا النوع من
الرقابة وهي ميزة أساسية تدعم شفافية ونزاهة المؤسسة.
[1]- الشطوان محمد، إشكالية تقوية الرقابة
البرلمانية في المالية العامة، رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون العام
المعمق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية
2008-2009، ص: 43
[2] - إبرهيم بن يحيي جدع
[3] - محمود شكري فهمي، الرقابة المالية العليا، ص:
137
[4] - (K) witt rockK. Ek présidant de la cour des comptes. « le contrôle par la cour des comptes ». in administration publique en républic fédérale d’allemange. Economica. Paris, 1983, p38- 399
[5] - محمد كريم شتواني، إستقلالية الأجهزة العليا
للرقابة على المال العام وعلاقة المجلس الأعلى بالبرلمان، رسالة لنيل ديبلوم
الماستر في القضاء الاداري، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا،
السنة الجامعية 2011-2012، ص:20
تعليقات
إرسال تعليق